من الأهداف الأساسية التي يعتمد عليها الإنسان في إيمانه هي النظرة المعطاه له من قبل الإله الذي يعبده، فنظره الله للإنسان في المسيحية مفعمة بالمحبة والقبول الغير مشروط، وذلك من خلال إعلان الله محبته للإنسان عن طريق التجسد والفداء، فيقول لنا الكتاب المقدس: “لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية.”

ومن خلال إعلان محبة الله لنا وبذل ابنه الوحيد لاجلنا، يتحول الوقت الذي نعيشه ههنا علي الأرض من زمن الدينونة إلي زمن الخلاص، أي إن الإيمان بيسوع المسيح هو قبول خلاصه المعطي لنا كنعمة إلهية مجانية من خلال محبة الله للبشر فنحن صنعة يديه، هذا بالضرورة يشكل رؤية الإنسان المسيحي لله ولنفسه عن طريق المحبة القبول الإلهي له، فمن حاز علي المحبة تصبح نصيبه في الحياة وعلي خلاف ذلك السخط والنقم يؤديان إلي درب البغضه للنفس وللآخر، ومن خلال معرفتنا بالرب يسوع المسيح من الكتاب المقدس نستوضح رؤية الله للمرأة وعمله في حياتها، وقبول الرب لها الغير مشروط والذي لا يعتمد علي فضيلة الإنسان وقداسته بل علي نعمة الله ومحبته لها.

أنا الذي أكلمك هو

كانت من أكبر المعضلات القديمة التي تواجه الإنسان في ظل العوامل التي يتعرض لها في الحياة  هي معضلة الألم، فتتنوع الأسباب التي ينتج عنها الألم في ظل علاقته الوثيقة بالأثم، كان الأثم هو العازل الذي فصل الإنسان عن الله منذ القدم عندما وقع الإنسان الأول في خطية العصيان لله عندما رفض اتباع الوصية الإلهية، وكانت النتيجة طرده من جنة عدن، وخروجه لأرض العمل والشقاء، ومن خلال التاريخ البشري يمكننا تتبع معضلة الألم التي لحقت ببني البشر مما دفعتهم إلي ارتكاب المزيد من الحمق تجاه أنفسهم.

وقد قدم المسيح في حياته علي الأرض، مرورا بفدائه للإنسان الحل الوحيد الذي منح للإنسان والغفران الذي قدم له من قبل الدماء الذي سفكت علي الصليب لأجل خلاصه من الألم والأثم.

وهذا أيضا ما قدمه المسيح للمرأة عن طريق القبول وإعلان ذاته لها، فكما ظن اليهود قديما من خلال فهمهم الخاطئ لكلمة الله وذهنهم المرفوض وقلوبهم التي تحجرت بعيدا عن المشيئة الإلهية لشخصية المرأة، وصورتها المشوهه في أعينهم، قدم المسيح تجديدا لتلك النظرة المشوهه من خلال لقاءاته لها في الكتاب المقدس.

ففي انجيل يوحنا الأصحاح الرابع يسرد لنا الكتاب المقدس قصة التقاء المسيح مع المرأة السامرية، والسامريين هم شعب قد وقعوا في عداوة مع اليهود قديما، حتي إن اليهود ظنوا إن الله يرفض هذا الشعب ويرذله، وفي رحلة المسيح إلي الجليل تقابل مع المرأة السامرية التي كانت قصد بير الماء في مدينة تسمي سوخار، وبدأ المسيح بالحديث معها، وكانت تلك المرأة تعلم بالعداوة الشديدة التي تقع بين الشعب اليهودي والسامريين، فتعجبت كيف يتحدث معها وهو يعرف تلك العداوة القديمة القائمة بين شبعه الذي ينتمي إليه وشعبها!

وكان هدف المسيح من لقائه مع المرأة السامرية هو خلاصها، لذلك بدأ في إعلان ذاته مجده لها حتيب تعجبت قائلة: ألعلك أعظم من أبينا يعقوب!

فقال لها يسوع: «كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضا.

ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية»

وهذه الدعوة كانت خاصة لتلك المرأة التي كانت وعلي الرغم من إنتمائها لشعب يعادي الشعب اليهودي، فقد كانت إيضا أمرأة خاطئة تعيش في الزني مع خمسة رجال! وقد علم المسيح بأمرها لكنه لم يدينها، بل كانت دعوته لها هي دعوة الخلاص وليست دينونة، وعندما رأت المرأة السامرية أن المسيح يعرف كل شئ عنها علي الرغم من عدم معرفتهم السابقة ببعضهم البعض قالت له: «أنا أعلم أن مسيا، الذي يقال له المسيح، يأتي. فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء»

فيعلن المسيح عن ذاته لتلك المرأة الخاطئة قائلا: «أنا الذي أكلمك هو»

وحيث يكون المسيح هناك الخلاص دائما، فقد ظلت تلك المرأة تعاني من الرفض والنبذ المجتمعي لها، وذلك يتضح بشدة من دراسة الظروف التي جمعتها بالمسيح، فقد خرجت تلك المرأة في طقس شديد الحرارة لتستقي الماء حيث يظل الجميع في مناولهم هربا من درجة الحرارة المرتفعة حينها، فبينما كان الجميع في المنازل تخرج المرأة خلسة من منزلها هروبا من تلك النظرات الحانقة التي تقع عليها من قبل الناس، لتشملها نظرة الرب يسوع بمحبته وقبوله، وتصبح المرأة السامرية مؤمنة بيسوع المسيح، وهي التي قررت العودة إلي المدينة حاملة البشارة لسكان السامرة بقدوم المخلص لهم.

مغفورة لك خطاياك

وفي انجيل لوقا الأصحاح السابع دخل الرب يسوع بيت احد الفريسيين ليأكل معه، وعندما دخل المنزل تقدمت نحوه أمرأة عرفت بحياة الخطية، وبينما شاهدت يسوع جالس بين تلاميذه يقول الكتاب المقدس: جاءت بقارورة طيب

ووقفت عند قدميه من ورائه باكية، وابتدأت تبل قدميه بالدموع، وكانت تمسحهما بشعر رأسها، وتقبل قدميه وتدهنهما بالطيب.

لم تتردد تلك المرأة من التقدم نحو يسوع لمعرفتها الجيدة بشخصه ومحبته، ففي نبذ الناس للخطاة يحدث استنفار بين الخطاة والمجتمع، ويصبح الإنسان منعزل تماما عن المجتمع الذي يدعي الفضيلة بوجهه ليلا ونهارا، وعلي النقيض تماما كان الرب يسوع يسوع في استجابته لتلك المرأة التي عبرت عن محبتها له عن طريق غسل قدميه بدموعها، فقد كانت دوع توبة وفرع في ذات الوقت، الفرحة عند رؤيتها ليسوع والاقتراب من قداسته لتشعر بخطيتها في المقابل، فخلاص الإنسان عند المسيح لا عن طريق التبكيت المستمر والنبذ بل عن طريق المحبة والقبول.

فلما رأى الفريسي الذي دعاه ذلك، تكلم في نفسه قائلا: «لو كان هذا نبيا، لعلم من هذه الامرأة التي تلمسه وما هي! إنها خاطئة»

وههنا تتضح لنا صورة ذلك الفريسي بشكل مألوف علي مجتمعاتنا، فبينما نمر يوميا بصفحات الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي لا نلبث إلي أن نتواجه مع تلك الشخصية التي تفرض نفسها كديان للآخرين، والحكم علي المذنبين علي الرغم من وقوع كل الناس تحت الضعف والخطية! فقد كان ذلك الفريسي هو الكثير من الشخصيات الذين يعيشون وسطنا الآن.

فأجاب يسوع وقال له: «يا سمعان، عندي شيء أقوله لك». فقال: «قل، يا معلم».

«كان لمداين مديونان. على الواحد خمسمئة دينار وعلى الآخر خمسون.

وإذ لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعا. فقل: أيهما يكون أكثر حبا له؟»

فأجاب سمعان وقال: «أظن الذي سامحه بالأكثر». فقال له: «بالصواب حكمت».

وكان القصد من ذلك المثل الذي طرحه الرب يسوع علي سمعان هو توضيح محبته للخطاة وقبوله لهم، وبالاكثر هؤلاء الذين يقعون ضحية نظرة المجتمع والتقليد لهم، ففي كونها أمرأة تتحمل اضعاف عواقب خطأ الرجل ولماذا؟ فقط لكونها أمرأة

أقول لك: قد غفرت خطاياها الكثيرة، لأنها أحبت كثيرا. والذي يغفر له قليل يحب قليلا.

كانت رؤية المسيح للمرأة رؤية إلهيه، فمن خلال نظرة المسيح لها يفحص قلبها الذي لايزال محتفظا بالكثير من الحب

ثم قال لها: «مغفورة لك خطاياك».

فابتدأ المتكئون معه يقولون في أنفسهم: «من هذا الذي يغفر خطايا أيضا؟».

فقال للمرأة: «إيمانك قد خلصك، اذهبي بسلام».

كان المسيح بالنسبة للمرأة الخاطئة هو الأمل الضائع وسط مجتمع من الوحوش المتأهبين لأفتراس كل من يحيد علي قواعد الدين، كان المسيح لها هو المخلص من الخطية، هو الرحمة التي لم تجدها من قبل في الشرائع والأعراف، فقد منحها يسوع القبول والغفران ولايزال يمنح كل يوم وحتي إلي الأبد.

 ولا أنا أدينك

وفي انجيل يوحنا الأصحاح الثامن، يتقدم جماعة من اليهود إلي المسيح، ممسكين بامرأة قبضوا عليها وهي تزني، طالبين منه المشورة فيما سيفعلوه بيها، وفي حين أن المسيح كان بالنسبة لليهود هو معلم ديني، فقد أنتظروا منه الحكم عليها بالرجم لأن هذا ما تنص عليه شريعة اليهود، لكن المسيح التفت إليهم قائلا: «من كان منكم بلا خطية فليرمها أولا بحجر!»

فينسحب الجميع ويبقي يسوع مع المرأة متسائلا: «يا امرأة، أين هم أولئك المشتكون عليك؟ أما دانك أحد؟»   

فقالت له: «لا أحد، يا سيد!»

فقال لها يسوع: «ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضا»

كان المسيح رافضا لفعل الخطية لكنه يحب خليقته حتي ولو تلوثت بالخطية ، وفي محبته التي برزت بين عدم التفرقة بين جنس الرجل والمرأة، فالجميع عند المسيح يحصلون علي الخلاص والغفران علي اساس انه سيذهب الي الصليب وسيحمل الدينونه بالنيابه عنا ويعالج مشكلة خطايانا فكفارته تمحو غضب الرب من علينا وتمحو ذنبنا اذا امنا به فنتمتع بسلام مع الله وننجو من الدينونه الالهيه، فيا للروعه فالجميع مقبولين بنعمته التي يمنحها لكل الذين يقبلون اسمه القدوس ويخضعون له، لذلك فالمسيح هو مخلص الخطاة، المسيح هو رحمة التائبين، المسيح هو مريح التعابي وملجأ كل مرفوض، وههنا اليوم ينتظرك المسيح ممسكا بك بذرايعه بعدما يعطيك الخلاص والتبرير قائلا: ولا أنا أدينك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *