ربما لا يخفي الحال علينا جميعا عن دور المرأة الفعال في مجتمعاتنا العربية، وكما نستطيع إن نري ونسمع عن العديد من القصص الملهمة والمؤلمة معا التي تحكي عن تجارب تخوضها المرأة في صراع مع الحياة اليومية، فالنساء يحملن قدرا كبيرا من المسؤلية علي عاتقهن، بداية من الخطوة الأولي في الحياة التي تتضمن التعليم والعمل وتكوين الأسرة، نهاية ببعض الأعباء التي تقع عليها في منتصف مشوار حياتها، تلك القصص التي تخبرنا تعلمنا عن المكانة الكبيرة التي تحتلها النساء في الحياة، والتي لا تقل مقدارا عن دور الرجل أيضا، ورغم كل ذلك كانت المرأة منذ البداية هي الطرف المهدد من قبل العادات والتقاليد والنظرة الشرقية لمكانتها في المجتمع، وحريتها وقدرتها علي الاختيار، نجد الكثير من الفتيات في مرحلة مبكرة يحرمون من التعليم، ومهم من تزوجوا عنوة في سن مبكر دون الاستعداد النفسي والجسدي لذلك، ومنهم من كانوا ضحية الشهوة التي تكتسي بثوب الزواج، فيتم معاملاتها علي إنها مجردة أداة جنسية حتي متي انصرفت شهوة الرجل عنها يقوم بتطليقها والزواج بأخري، لتجد نفسها في النهاية ضحية النظرة الدونية لمكانتها ومقدار شأنها، وحتي إن اتيحت لها الزواج مرة أخري يتم تصنيفها كأختيار من الدرجة الثانية عن غيرها ممن لم يسبق لهن الزواج!

وفي بعض التساؤلات التي تطرح حول العنف والتضييق الاجتماعي التي تواجهه المرأة في مجتمعاتنا، نجد علي سبيل المثال الكثير والكثير من الآراء المتشابهه عن تعريف المرأة ودورها تجاه الرجل، فبعض الآراء التي تعتمد علي بعض التفسيرات الدينية الأصولية تؤيد نظرة المجتمع التقليدي للمرأة ولكن في المقابل هل من المنطقي إن تتقبل المرأة نفسها كنقمة في نظر نفسها والآخر بدافع الدين؟

الاختيار حقي

مع اختلاف الخصائص الجسدية والوجدانية بين المرأة والرجل تظل المرأة محتفظه بحق الاختيار دائما في الحياة، فبين الأمس والغد تكاد الخيارات منعدمة للمرأة مع احتفاظ الأسرة بالنظرة الشرقية التقليدية تجاة الفتاة، وانعدام الثقة في قدرتها علي الاختيار الصالح والأمثل لها من تعليم وزواج وعمل، في الحقيقة تكمن انعدام الثقة في قدرة المرأة علي الاختيار تحت مبدأ كمال الرجل عن المرأة الذي يتلاقاه الرجل منذ الصغر عن طريق بعض التعاليم الدينية، والتي تعطيه الأفضلية في نظر نفسه إنه المتحكم في قدر الزوجة والابنة بشكل شبه مطلق، وكون الفتاة ناقصة عقل ودين يدفعه دائما إلي التحكم في رغباتها الإنسانية الطبيعية في اختيار مصيرها.

وحتي علي المستوي الاجتماعي في الزواج يتم إجبار الزوجة علي ممارسة العلاقة الزوجية عنوة، وهذا يتعارض مع التعريف السوي للزواج الذي يبني علي أسس الحب والأحترام وتقبل رغبة الطرفين، نجد الوحي الإلهي علي فم القديس بولس الرسول في  رسالته الأولي إلي أهل كورنثوس يحدثنا عن العلاقة الزوجية السوية التي تبني علي الحب وليس علي الاجبار فيقول القديس بولس: “ليس للمرأة تسلط على جسدها، بل للرجل. وكذلك الرجل أيضا ليس له تسلط على جسده، بل للمرأة.”

العلاقة الزوجية في المسيحة هي علاقة مقدسة تقوم دائما علي أساس الحب الذي يبني بين الزوجين منذ اليوم الأول من الزواج، وهذا بخلاف الظرة الشهوانية التي تجعل المرأة مسلوبة الحق وتسخيرها لسد الشهوة، فالغريزة تقدس في الزواج المسيحي لتسير في مسارها الصحيح بعيدا عن الأنحراف الذي قد يطولها ويدفع طرف إلي ارتكاب الخطأ في حق الطرف الأخر.

فالاختيار يعطي المرأة مكانتها الصحيحة بعيدا عن التقليل من شأنها أو نقصان مكانتها كإنسان عاقل مفكر يمتلك إرادة حرة في الحياة، فعطية الحياة هي هبة من الله لكل كائن والعقل هو التاج الذي توج به الإنسان من قبل، لتصبح المرأة في النهاية هي شريكة الحياة وليس الجزء المفقود لسد شهوة الرجل وحتي لو تم ذلك داخل إطار الزواج.

لست شهوة

في الحديث عن الشهوة تتجسد أمامنا كل تلك المضايقات والتحرس اللفظي والجسدي التي تتعرض له كل فتاة بصورة يومية في مجتمعاتنا، وفي البحث عن المبرر الذي يدفع بالكثير من المراهيقن والبالغين في ارتكاب مثل تلك الجرائم في حق المرأة، نجد إن الشهوة الجنسية هي المحرك الأساسي لكل تلك الحوادث المؤلمة، ما يميز المرأة بشكل طبيعي هو مظهرها كونها تختلف عن الرجل في الهيئة والملابس، ومن الطبيعي أن تكون المرأة مميوة عن الرجل في المظهر الخارجي وملابسها ولكن اليوم أصبح مظهر المرأة الخارجي هو محل جذب شهوته تجاهها، كون الأفكار التي شكلت نظرة الرجل للمرأة في مجتمعاتنا تدفعه دائما إلي اذيتها بصور مختلفة، فالافكار الدنسة تنوع طهارة الرؤية للكائنات وتدنس القلب بطبيعتها، لنتأمل في تعاليم المسيح حول تلك القضية إذ يقول الرب يسوع في الكتاب المقدس: “سراج الجسد هو العين، فمتى كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرا، ومتى كانت شريرة فجسدك يكون مظلما.”

اي إن من خلال تعاليم الرب يسوع ندرك ماهية الشهوة، والتي لا تكمن في اجساد النساء، بل من خلال تشويه الحواس التي تتم عن طريق تلقي مثل تلك الأفكار التي نستمع إليها يوميا من خلال الخطب والمواعظ التي تتخذ صورة الدين في تحديد هوية المرأة، ففي النهاية قد خلق الله اجسادنا طاهرة وأعضائنا خالية من النجاسة ولكن ما يزرع داخل الفكر من تعاليم مشوهة يدنس نظرتنا لكل شئ تقريبا ليس للنساء فقط بل حتي لأبسط الأشياء، وهذا لا يتعارض مع تعاليم المسيحية التي تدعو إلي تزين المرأة بالحشمة، وهذا بخلاف ما يدعيه البعض زورا عن المسيحية إنها تدعو إلي الفجور والعري في الملابس، فيخبرنا القديس بولس الرسول في رسالته إلي تيموثاوس قائلا:

 “وكذلك أن النساء يزين ذواتهن بلباس الحشمة، مع ورع وتعقل”

وهذا يضفي علي صورة المرأة في المسيحية سمة الكرامة والقداسة وينفي عنها سمة العار وعلاقتها بخطط الشيطان في اسقاط الرجال في الذنوب والمعاصي، فالمرأة في المسيحية بريئة تماما من هذا الوصم، فيقول الرب يسوع عن الشهوة: “وأما أنا فأقول لكم: إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها، فقد زنى بها في قلبه.”

اي إن الشهوة تخص صاحبها الذي دنست حواسه، وهو من يسأل عن خطيته، ولا تتحمل المرأة ثمن الأثم الذي يلحق بمن سلم حواسه للشهوات.

هل تسمعني؟

خلق الله المرأة بصفات جسدية تختلف عن الرجل، وفي الطبيعة الجسدية للمرأة تكمن صورة الخلق الإلهيه الطاهرة التي بلا عيب ولا دنس، فالله يسمع انات قلب الإنسان دائما، ويستمر الله قبول الصلوات والأصوام دون شرط أو تعارض مع السمات الجسدية للإنسان، ففي طبيعة الخلق قبول مطلق لا يحد ولا يتعارض عن الطبيعة الفسيولوجية للمرأة، فالمسيحية تقدس الجسد الذي خلق من قبل اليد الإلهيه علي صورته ومثاله، فلا ترفض المسيحية صلاة المرأة وصومها أثناء فترتها الشهرية، ولا علاقة بين الطهارة وافرازات الجسد، ولا علاقة بين خطية المرأة وقبول الله ومحبته لها، ففي سيرة المسيح يتجسد القبول الإلهي للمرأة بخلاف ضعفاتها التي قد تدفعها إلي الخطيئة، وهذا ما كان يسبب الحنق الشديد لرؤساء اليهود والكهنة والفريسيين الذين كانوا ينظرون للمرأة بنظرة الدونية، فكيف ليسوع المعلم الصالح إن يجتمع من النساء الخطاة؟

ولكن المسيح كانت تركز دعوته في الأحتياج الإنساني له، كمخلص وراعي صالح، لجميع بني البشر للمرأة والرجل، وهذا ما جعله يقبل الزناة والخطاة دون ادانتهم، لأن بشارة المسيح ليست بشارة دينونة بل بشارة مغفرة وقبول، فقد سمع المسيح من المرأة السامرية التي طمست الخطية حياتها، وانقذ المرأة الزانية من يد اليهود الذين كانوا مستعدين لرجمها، ومدح محبة المرأة ساكبة الطيب.

فلم تكن المرأة في المسيحية دنسة، ولم تكن تدفع ثمن الفساد الذي لحق ببني البشر جراء شهوات الفكر والحواس، بل ظلت مقدسه منذ بداية الخليقة حتي مجئ المسيح بتعاليه وخلاصه، ففي النهاية كانت المرأة هي شريكة النعمة المعطاة للبشرية عن طريق تجسد الرب يسوع المسيح منها من خلال القديسة المطوبه مريم، فالمرأة ليست نقمة…بل هي نعمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *